-->

الخيانة الالكترونية اساس الخيانة الحقيقية



هل من يقوم بالخيانة الإلكترونية يسهل عليه الانسياق وراء الخيانة الحقيقية؟ الإجابة هي "نعم"، وهذا ما أثبتته دراسة أمريكية جديدة جاء فيها أن النسبة الأكبر ممن يرتكبون الخيانة الإلكترونية يخونون شركاء حياتهم لاحقاً على أرض الواقع من خلال علاقات مباشرة.. وبهذا يدحض الاعتقاد الذي كان سائداً بأن العلاقات التي تبدأ على الشبكة العنكبوتية لا تتجاوزها في معظم الأحيان.

استندت الدراسة الجديدة إلى نتائج استطلاع اختياري بين مشتركي موقع "آشلي ماديسون" شمل 8800 شخص، اختار الباحثون منهم 5187 شخصاً. ووجد الباحثون أن نسبة النساء اللواتي نقلن علاقاتهن الإلكترونية إلى أرض الواقع بلغ 83 % من بين المشاركات في الاستطلاع.
كما أثبت القائمون على الدراسة والباحثون في جامعتي "نبراسكا" و" واشبورن" أن النساء أكثر ميلاً من الرجال لتبادل الرسائل الغرامية المكتوبة، وأن ثلاثة أرباع من أقاموا علاقات عن طريق الإنترنت انتهى بهم الأمر بإقامة علاقات آثمة واقعية لاحقاً.

كسر الحاجز

وحول ما إذا كان من الممكن أن تنسحب نتائج هذه الدراسة على مجتمعاتنا العربية وواقعنا الإلكتروني يقول د.محمد المهدي ،الطبيب النفسي المشهور، إنه يمكن بالفعل أن تنسحب تلك النتائج المتعلقة بالخيانة الالكترونية ودرجة علاقتها بالواقع على واقعنا العربي مؤكدا أن الفروق لن تكون كبيرة.
ويوضح أن كسر الحاجز هو السبب الرئيس وراء نتائج الدراسة التي تؤكد أن من يقوم بالخيانة الإلكترونية يستطيع فعل الخيانة الحقيقية، وأن القيام بالخيانة الإلكترونية مرة وراء مرة يؤدي لإختراق حاجز الخيانة النفسي، واختراق الحاجز عدة مرات يشبه القيام ببروفة خيانة، وبالتالي يصبح الجهاز النفسي مهيأ لتنفيذ هذه البروفة عندما تتاح الفرصة للقيام بذلك في الواقع.

ويقول المهدي أن المخ يتفاعل مع الأحداث التخيلية وكأنها تحدث في الواقع، فتنفعل مراكز معينة في المخ مكونة مسارات ثابتة كلما قام الشخص بهذا الفعل، وحينما يتعرض الإنسان للمواقف الواقعية المشابهة يصبح وكأنه يألف هذه المسارات، وتكون الحركة داخلها سهلة وميسرة. والدليل على ذلك الآية القرآنية "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا"، وهنا جاء النهي عن القرب من الزنا وليس
عن الفعل نفسه لأن المقدمات والمقربات والأشياء المصاحبة للفعل ستؤدي للفعل نفسه، وهنا يأتي الجزء التخيلي في الخيانة كشىء ممنوع لأنه سيؤدي لا محالة إلى الخيانة الحقيقية.

وعن إمكانية إجراء مثل تلك الدراسات في المجتمع العربي، ينفي د.المهدي إمكانية إجرائها مفسرا صعوبة ذلك بصعوبة اختيار عينة الدراسة؟ وكيفية سؤالها وكيفية استجابتها أيضا؟
يقول: وحتى لو أجريت تلك الاستبيانات على الإنترنت ستكون مصداقيتها منخفضة لأنه يمكن للشخص الواحد أن يدخل أكثر من مرة. ولكن من خلال الانطباع الشخصي والملاحظة الخاصة بالممارسة الحياتية ومن خلال الحالات التي تعترف أمامنا كأطباء نفسيين في العيادات والمستشفيات أستطيع أن أؤكد أن عددا كبيرا جدا من الخيانات الإلكترونية تحدث في مجتمعنا.

خيانة مشروعة

ويشير المهدي إلى أن هناك من يعتبر الخيانة التخيلية أخف ضررا من الخيانة الحقيقية، وأنها سبيل آمن لإخراج المشاعر التي لا تجد متنفسا لها في الحياة الحقيقية مع شريك حقيقي، كالزوجة المحبطة من زوجها، وكالزوجة الغائب عنها زوجها، أو الأرملة، أو المطلقة، أو العانس التي تعاني من احتياج عاطفي أو جسدي. وبعض هؤلاء السيدات يرون أن في الممارسة نوعا من المتعة والإشباع الآمن، وأنها لا تقابل أحدا ولا تلتقي بأحد وإنما كل شىء يتم من وراء ستار إلكتروني يحفظ لها سلامتها الجسدية، وكل هذا خطأ فهذا التهوين هو ما يجعل الناس تتورط أكثر في العلاقات الإلكترونية ومن ثم الخيانة الحقيقية. فهم لا يعتقدون أنهم يقومون بعمل شائن أو عمل يستوجب الإحساس بالذنب أو الندم.
ويلفت د.المهدي لنقطة أخرى وهي أنه للأسف الشديد يوجد بعض الملتزمين ممن يتورطون بدورهم في هذه الخيانات، فلا يضعوا هذه العلاقات في موضعها من حيث التحريم وينظروا إليها على أنها أشياء لا تضر أحدأ، وأنها تنتهي بانتهاء الجلسة أمام جهاز الكمبيوتر أو إغلاق الإنترنت، وهذا التخفيف من الناحية الأخلاقية والناحية الدينية يؤدي إلى التهاون مع مثل تلك العلاقات التخيلية فنجد الواحد يقيم 20 علاقة مادامت غير محرمة من وجهة نظره.
ويوضح أن الخيانة يتورط فيها الرجال والنساء سواء بحيث يصعب القول من هو الجنس الأكثر تفاعلا وتداخلا مع الموضوع. ولكن من خلال الانطباعات أيضا يؤكد أن النساء أكثر تورطا من الرجال، ليس لأن الرجال أكثر إخلاصا ولكن لأن الرجال لديهم الفرصة لتحقيق الرغبات في منافذ عديدة منها العلاقات الحقيقية خارج إطار الزواج نفسه، أما النساء فدائما يبحثن عن مخرج سري وآمن وخفي يمكنهن من إشباع رغباتهن دون أن يحاسبهن المجتمع أو يكتشف أمرهن.

الخيال أيضا خيانة

ويؤكد د.المهدي على أن المجتمعات الإنسانية أصبحت تواجه خطرا فيما يتعلق بمفهوم الإخلاص ومفهوم الخيانة. ويتساءل مستنكرا: هل الخيانة هي خيانة الفراش فقط أم أنها تلك التي تبدأ في الخيال وتنتهي في الفراش؟
ويجيب على سؤاله قائلا: الدليل على ذلك إحدى ورشات العمل التي حضرتها في الولايات المتحدة الأمريكية وقال مقدم الورشة حينذاك ان المجتمعات الانسانية ربما تستغني عن مفهوم الاخلاص مقابل إتاحة وإباحة العلاقات المفتوحة، فالغرب حينما تواجهه مشكلة لا يقف أمامها ولكنه يتجاوزها بالقبول كالشذوذ الجنسي مثلا، أما فيما يتعلق بالخيانة فأصبحت تقام لديهم الآن علاقات زواجية مفتوحة، أو يكون هناك شرط في الزواج أن كل طرف لديه الحرية التي يتخذ فيها شريكا آخر أو حبيبا خارج إطار الزواج، أما الزواج لديهم فيستغل فقط للاستقرار وإنجاب الأطفال. وهنا فهم يتخلون عن "الخيانة"
 كمفهوم بتجاوزه إلى اعترافهم وقبولهم بعلاقات خارج إطار الزواج. وهكذا نجد أننا نتحدث عن تلاشى مفهوم "الاخلاص" كما قال مقدم تلك الورشة.
وعن الحلول التي يقترحها د.المهدي لهذا الموضوع خاصة وأن وسائل التكنولوجيا في توسع وتقدم كل يوم مما يجعل التوقعات وباتساع رقعة الخيانة تزداد كل يوم، ينصح باتباع "سياسة المناعة وليس المنع" فلن يستطيع أحد أن يوقف أحد مادام كل شىء متاح. ولكن يجب أن يكون

هناك دستور أخلاقي فردي وجماعي ومجتمعي يحد من تلك العلاقات. كما يجب عمل مراجعة للعلاقات الزواجية والاجتماعية، وتحرى الدقة في اختيار شريك الحياة.
وينهي المهدي كلامه بضرورة التفكير الإبداعي الخلاق لمواجهة هذا الخطر، فالبشرية لا تستسلم لمرض كالإيدز بل انها تخترع كل يوم حلول للتغلب على تلك المشاكل المستعصية، وبالمثل يجب أن نتعامل مع بعض المشكلات الاجتماعية بشكل ابداعي، فيكون هناك مراكز بحثية

 تعمل على هذا الموضوع وتقوم بتعريف الخيانة ولا تقصرها على مفهومها الجسدي فقط، فنحن كمجتمعات عربية لسنا كالغرب في قيمنا وديننا، ولن نريح أدمغتنا ونتعامل مع الخيانة كأنها شىء اجتماعي عادي.
مواضيع مقترحة